أعلام الإسلام

Status
Not open for further replies.

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member



الإمام محمد ناصر الدين الألباني

بقلم » الشيخ سليم بن عيد الهلالي





ترجمة شيخنا الإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني
شيخنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني أبرز العلماء السلفيين في العصر الحاضر، ويعد محدث العصر وحافظ الوقت وإمام الجرح والتعديل أعاد لعلم الحديث نضارته وفقه الدليل منزلته.

اسمه ولقبه وكنيته:
هو أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم (1) الألباني الدمشقي ثم الأردني.

مولده ونشأته:
* ولد عام 1333 هـ الموافق 1914 م في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا - حينئذ – في أسرة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعاً للناس يعلمهم و يرشدهم.

* هاجر بصحبة والده إلى دمشق الشام (2) للإقامة الدائمة فيها بعد أن انحرف أحمد زاغو (ملك ألبانيا) ببلاده نحو الحضارة الغربية العلمانية.

* أتم دراسته الإبتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق بتفوق.

* نظراً لرأي والده الخاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية ووضع له منهجاً علمياً مركزاً قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم، و التجويد، و النحو و الصرف، و فقه المذهب الحنفي، و قد ختم شيخنا الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي و بعض كتب اللغة و البلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس و ندوات العلامه بهجة البيطار.

* أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهره فيها، و أخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنه وقتاً جيداً للمطالعة و الدراسة، و هيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية و الاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.

تعلمه الحديث:
توجهه إلى علم الحديث و اهتمامه به :

على الرغم من توجيه والد الألباني المنهجي له بتقليد المذهب الحنفي و تحذيره الشديد من الاشتغال بعلم الحديث، حيث كان يسميه «صناعة المفاليس» فقد أخذ شيخنا الألباني بالتوجه نحو علم الحديث و علومه، فتعلم الحديث في نحو العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا (رحمه الله) و كان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي (رحمه الله) مع التعليق عليه.

كان ذلك العمل فاتحة خير كبير على الشيخ الألباني حيث أصبح الاهتمام بالحديث و علومه شغله الشاغل، فأصبح معروفاً بذلك في الأوساط العلمية بدمشق، حتى إن إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق خصصت غرفة خاصة له ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة، بالإضافة إلى منحه نسخة من مفتاح المكتبة حيث يدخلها وقت ما شاء، أما عن التأليف و التصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، و كان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل و الفقه المقارن كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" (3) ، و من أوائل تخاريجه الحديثية "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير" (4)

كان لإشتغال شيخنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أثره البالغ في التوجه السلفي للشيخ، و قد زاد من ثبات شيخنا على هذا المنهج مطالعته لكتب شيخ الإسلام ابن تيميه و تلميذه ابن القيم و غيرهما من أعلام المدرسة السلفية.

حمل الشيخ الألباني راية الدعوة إلى التوحيد و السنة في بلاد الشام حيث زار الكثير من مشايخ دمشق و جرت بينه و بينهم مناقشات حول مسائل التوحيد و الإتباع و التعصب المذهبي و البدع، فلقي الشيخ لذلك المعارضة الشديدة من كثير من متعصبي المذاهب و مشايخ الصوفية و الخرافيين و المبتدعة، فكانوا يثيرون عليه العامة و الغوغاء و يشيعون عنه بأنه "وهابي ضال" و يحذرون الناس منه، هذا في الوقت الذي وافقه على دعوته أفاضل العلماء المعروفين بالعلم و الدين في دمشق، و الذين حرضوه على الاستمرار قدماً في دعوته.

من شيوخ الإمام الألباني
1. الشيخ محمد راغب الطباخ – مؤرخ حلب

2. الشيخ سعيد البرهاني

3. والده الشيخ نوح نجاتي

نشاط الشيخ الألباني الدعوي:

نشط الشيخ في دعوته من خلال:
أ) دروسه العلمية التي كان يعقدها مرتين كل أسبوع حيث يحضرها طلبة العلم و بعض أساتذة الجامعات و من الكتب التي كان يدرسها في حلقات علمية:

- فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.

- الروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني شرح صديق حسن خان.

- أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف.

- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير شرح احمد شاكر.

- منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد.

- فقه السنه لسيد سابق.

ب) رحلاته الشهريه المنتظمة التي بدأت بأسبوع واحد من كل شهر ثم زادت مدتها حيث كان يقوم فيها بزيارة المحافظات السورية المختلفه، بالإضافة إلى بعض المناطق في المملكة الأردنية الهاشمية قبل استقراره فيها .

صبره على الأذى :
تعرض للإعتقال مرتين، الأولى كانت قبل 67 حيث اعتقل لمدة شهر في قلعة دمشق وهو السجن الذي اعتقل فيها شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله-، وعندما قامت حرب 1967 رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين.

لكن بعدما اشتدت الحرب عاد الشيخ إلى المعتقل مرة ثانية في سجن الحسكة شمال شرق دمشق، و قد قضى فيه الشيخ ثمانية أشهر، و خلال هذه الفترة أنهى "مختصر صحيح مسلم" (5) و اجتمع مع شخصيات كبيرة في المعتقل.

أعماله وانجازاته:
لقد كان للإمام جهود علمية و خدمات عديدة منها:

1) كان شيخنا -رحمه الله- يحضر ندوات العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار -رحمه الله- مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم عز الدين التنوحي - رحمه الله- إذ كانوا يقرؤن "الحماسة" لأبي تمام.

2) اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام (1955 م).

3) اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر و سوريا، للإشراف على نشر كتب السنة و تحقيقها.

4) طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل و الأولاد بسبب الحرب بين الهند و باكستان آنذاك.

5) طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عام (1388 هـ) ، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك.

6) اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية من عام (1395 هـ) إلى (1398 هـ).

7) لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، و ألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان "الحديث حجة بنفسه في العقائد و الأحكام" .

8) زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام".

9) انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس إدارة البحوث العلمية و الإفتاء للدعوة في مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى التوحيد و الاعتصام بالكتاب و السنة و المنهج الإسلامي الحق.

10) دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة.

11) زار الكويت و الإمارات و ألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، و التقى فيها بالجاليات الإسلامية و الطلبة المسلمين، و ألقى دروساً علمية مفيدة.

12) للشيخ مؤلفات عظيمة و تحقيقات قيمة، ربت على المئتين، و ترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، و طبع أكثرها طبعات متعددة و من أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث الصحيحة و شيء من فقهها و فوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها.

13) قررت لجنة الإختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية منح الجائزة عام 1419هـ / 1999م ، و موضوعها "الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً و تخريجاً و دراسة" لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً و تحقيقاً ودراسة و ذلك في كتبه التي تربو على المئة.

ثناء العلماء عليه:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ( ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني ).

وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم.

وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين: فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل، أنه حريص جداً على العمل بالسنة، و محاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، و أنه ذو علم جم في الحديث، رواية و دراية، و أن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من الناس، من حيث العلم و من حيث المنهاج و الاتجاه إلى علم الحديث، و هذه ثمرة كبيرة للمسلمين و لله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به.

كان العلامه الشنقيطي يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له".

وقال الشيخ مقبل الوادعي: والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها )

أولاد الشيخ:
قال الشيخ متحدثا عن نفسه فى السلسلة الضعيفة ( 1/629/طبعة المعارف):

((وإنّ من توفيق الله عز وجل إياي، أن ألهمني أن أُعَبِّدَ له أولادي كلهم، وهم عبد الرحمن، وعبد اللّطيف، وعبد الرزاق من زوجتي الأولى رحمها الله تعالى.

وعبد المصور، وعبد الأعلى، وعبد المهيمن من زوجتي الأخرى، والاسم الرابع ما أظن أنّ احداً سبقني إليه على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء في كتب الرجال والرواة، أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقاً، وأن يبارك في أهلي.

{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان].

ثمّ رزقت سنة 1383 هـ وأنا في المدينة المنورة غلاماً، فسميته (محمّداً) ذكرى مدينته صلّى الله عليه وسلّم، عملاً بقوله: ((تسموا باسمي، ولا تُكنوا بكنيتي)) متفق عليه)).

•وإليك ترتيب أبناء الشيخ حسب ولادتهم

من زوجته الأولى:

1. عبد الرحمن

2. عبد اللطيف

3. عبد الرزاق

• من زوجته الثانية:

4. أُنَيِسَة

5. عبد المصور

6. آسِيَة

7. سلامة

8. عبد الأعلى

9. محمد

10. عبد المهيمن

11. حَسَّانة

12. سُكَيْنَة

• من زوجته الثالثة:

13. هبةُ الله

• أمّا زوجته الرابعة (أم الفضل):

فلم ينجب منها.

وفاته:
توفي شيخنا العلامة الألباني في مدينة عمان عاصمة الأردن ، قبيل يوم السبت في الثاني و العشرين من جمادى الآخرة 1420هـ، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، و دفن بعد صلاة العشاء.

و قد عجل بدفن الشيخ لأمرين أثنين:
الأول: تنفيذ وصيته كما أمر.(6)

الثاني: الأيام التي مر بها موت الشيخ رحمه الله و التي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته رحمه الله فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعاً.

بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الشيخ إلا المقربين منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافه إلى قصر الفترة ما بين وفاة الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس بأن يعلم كل منهم أخاه.






--------------------------------------------------------------------------------


(1) سئل شيخنا عن والد جده (آدم) فقال –رحمه الله- متفكها : " وهل يوجد قبل آدم احد ! "

(2) استوطن والد شيخنا بلاد الشام للفضائل الكثيرة الواردة بشأنها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان يقول شيخنا : الحمد لله على الإسلام والسنة وسكنى بلاد الشام

(3) ألفه في الرد على والده

(4) لا يزال مخطوطاً وأوصى شيخنا بعدم طباعته.

(5) وقد فقده الشيخ ولم يعثر عليه ، وكان يسميه "كتابي الحبيب"

(6) لما سمع شيخنا فقيه الزمان محمد صالح العثيمين –رحمه الله- بوصية شيخنا الإمام الألباني

بأن يسرعوا بتجهيزه ودفنه قال: رحم الله الشيخ الألباني أحيا السنة في حياته وفي موته

شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net
 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member



الإمام البخاري

بقلم » الشيخ عبد المحسن العباد



نسب الإمام البخاري:

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي. فجده بردزبه ضبط اسمه بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء. قال الحافظ ابن حجر: "هذا هو المشهور في ضبطه, وبردزبه في الفارسية الزراع كذا يقول أهل بخارى, وكان بردزبة فارسيا على دين قومه" انتهى.


وجده المغيرة ابن بردزبه أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى ويمان جعفي فنسب إليه لأنه مولاه من فوق, عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له.


وجده إبراهيم قال الحافظ ابن حجر إنه لم يقف على شيء من أخباره.


وأبوه إسماعيل ترجم له ابن حبان في الثقات وقال: "إسماعيل بن إبراهيم والد البخاري يروي عن حماد بن زيد ومالك وروى عنه العراقيون", وترجم له الحافظ في تهذيب التهذيب.



متى وأين ولد:- ولد رحمه الله في بخارى (وهي من أعظم مدن ما وراء النهر بينها وبين سمرقند مسافة ثمانية أيام) في يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة.



نشأته وبدؤه طلب العلم: - توفي والده وهو صغير فنشأ في حجر أمه وأقبل على طلب العلم منذ الصغر وقد تحدث عن نفسه فيما ذكره الفِرَبْري عن محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب"، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟، قال : "عشر سنين أو أقل"، إلى أن قال: "فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء - يعني أصحاب الرأي-" ، قال: "ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج, فلما طعنت في ثمان عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين ثم صنفت التاريخ بالمدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتبه في الليالي المقمرة"، قال: "وقلَّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب".



رحلته في طلب العلم وسماعه الحديث: - اشتغل وهو صغير في طلب العلم وسماع الحديث فسمع من أهل بلده من مثل محمد بن سلام ومحمد بن يوسف البيكنديين وعبد الله بن محمد المسندي وابن الأشعث وغيرهم ثم حج هو وأمه وأخوه أحمد وهو أسن منه سنة عشر ومائتين فرجع أخوه بأمه وبقي في طلب العلم فسمع بمكة من الحميدي وغيره وبالمدينة من عبد العزيز الأويسي ومطرف ابن عبد الله وغيرهم ثم رحل إلى أكثر محدثي الأمصار في خراسان والشام ومصر ومدن العراق وقدم بغداد مرارا واجتمع إليه أهلها واعترفوا بفضله وشهدوا بتفرده في علمي الرواية والدراية وسمع ببلخ من مكي بن إبراهيم وغيره وبمرو من علي بن الحسن وعبد الله بن عثمان وغيرهما وبنيسابور من يحيى بن يحيى وغيره وبالري من إبراهيم بن موسى وغيره وببغداد من شريح بن النعمان وأحمد بن حنبل وغيرهما وبالبصرة من أبي عاصم النبيل ومحمد بن عبد الله الأنصاري وغيرهما وبالكوفة من طلق بن غنام وخلاد بن يحيى وغيرهما وبمصر من سعيد بن كثير بن عفير وغيره وسمع من أناس كثيرين غير هؤلاء ونقل عنه أنه قال: "كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث", وقال أيضا: "لم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل".


ذكاؤه وقوة حفظه: - وكان رحمه الله قوي الذاكرة سريع الحفظ ذكر عنه المطلعون على حاله ما يتعجب منه الأذكياء ذوو الحفظ والإتقان فضلا عمن سواهم فقد قال أبو بكر الكلذواني: "ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الحديث من مرة واحدة".


وقال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلته في المصنف، قال: "لا يخفى علي جميع ما فيه", وقال محمد بن حمدوية: سمعت البخاري يقول: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح, ومائتي ألف حديث غير صحيح". وقال محمد بن الأزهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب فقيل لبعضهم: ماله لا يكتب فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه, ولعل من أعجب ما نقل عنه في ذلك ما قاله الحافظ أبو أحمد ابن عدي كما في تاريخ بغداد ووفيات الأعيان وغيرهما سمعت عدة مشائخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: "لا أعرفه"، فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه", فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول: "لا أعرفه"، فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم, ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم, ثم انتدب رجل آخر من العشرة وسأله كما سأله الأول والبخاري رحمه الله يجيب بما أجاب به الأول ثم الثالث والرابع حتى فرغ العشرة مما هيأوه من الأحاديث فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثاني قلت كذا وصوابه كذاوالثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل، وعند ذكر هذه القصة يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "هنا يخضع للبخاري فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا, بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة".



نماذج من ثناء الناس عليه رحمه الله: - وقد كان البخاري رحمه الله موضع التقدير من شيوخه وأقرانه تحدثوا عنه بما هو أهله وأنزلوه المنزلة التي تليق به وكذلك غيرهم ممن عاصره أو جاء بعده وقد جمع مناقبه الحافظان الكبيران الذهبي وابن حجر العسقلاني في مؤلفين خاصين كما ذكر ذلك الذهبي في تذكرة الحفاظ وابن حجر في تهذيب التهذيب. ولعل من المناسب هنا ذكر بعض النماذج من ذلك:


قال أبو عيسى الترمذي: "كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فقال له لما قام: يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة فاستجاب الله تعالى له فيه"..ويقول الإمام البخاري: "كنت إذا دخلت على سليمان بن حرب يقول: "بيّن لنا غلط شعبة"، وقال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: سمعت يحيى بن جعفر البيكندي يقول: "لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم".. وقال أحمد بن حنبل: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل", ولما بلغ علي بن المديني قول البخاري: "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني" قال لمن أخبره: "دع قوله؛ ما رأى مثل نفسه".. وقال رجاء بن رجاء: "هو - يعني البخاري - آية من آيات الله تمشي على ظهر الأرض". وقال أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور: "هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهل النقل".. وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري".. ويقول الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ: "وكان رأسا في الذكاء رأسا في العلم رأسا في الورع والعبادة"، ويقول في كتابه العبر: "وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء ولم يخلف بعده مثله رحمة الله عليه"، وقال الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب: "أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا ثقة الحديث".


وقال الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: "هو إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه"، وقال: "وقد كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء والرغبة في الآخرة دار البقاء"، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية: "هو إمام المسلمين وقدوة الموحدين وشيخ المؤمنين والمعول عليه في أحاديث سيد المرسلين وحافظ نظام الدين"، وقال محمد بن يعقوب الأخرم سمعت أصحابنا يقولون: لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة". هذا غيض من فيض مما قيل في الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه الله تعالى برحمته الواسعة.



مصنفاته: - وقد أتحف الإمام البخاري رحمه الله المكتبة الإسلامية بمصنفات قيّمة نافعة أجلّها وعلى رأسها كتابه الجامع الصحيح الذي هو أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي.


ومن مؤلفاته: الأدب المفرد, ورفع اليدين في الصلاة, والقراءة خلف الإمام, وبر الوالدين, والتأريخ الكبير, والأوسط, والصغير, وخلق أفعال العباد, والضعفاء, والجامع الكبير, والمسند الكبير, والتفسير الكبير, وكتاب الأشربة, وكتاب الهبة, وأسامي الصحابة, إلى غير ذلك من مؤلفاته الكثيرة التي أورد كثير منها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري…



عناية العلماء بترجمته ونقل أخباره رحمه الله : - لما قام الإمام البخاري رحمه الله بالعناية التامة في تدوين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيتها من الشوائب وتجريد الأحاديث الصحيحة جعل الله له لسان صدق في الآخرين فما زال الناس منذ عصره ولا يزالون يثنون عليه ويترحمون عليه ويولون كتابه الجامع الصحيح العناية التامة وما من مؤلف في التاريخ وتراجم الرجال إلا ويزين مؤلفه بذكر ترجمته والتنويه بشأنه ونقل أخباره رحمه الله.


فهذا الحافظ الذهبي رحمه الله يترجم له في تذكرة الحفاظ ويقول بعد نقل شيء من مناقبه: "قلت: قد أفردت مناقب هذا الإمام في جزء ضخم فيه العجب".


وهذا الحافظ ابن حجر يترجم له في تهذيب التهذيب ويقول في ترجمته: "قلت: مناقبه كثيرة جدا قد جمعتها في كتاب مفرد ولخصت مقاصده في آخر الكتاب الذي تكلمت فيه على تعاليق الجامع الصحيح".


وقد ترجم له أيضا في آخر كتاب هدي الساري مقدمة فتح الباري ونقل شيئا من ثناء مشائخه وأقرانه عليه ثم قال: "ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفني القرطاس ونفدت الأنفاس فذاك بحر لا ساحل له".


وذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية في أعيان سنة ست وخمسين ومائتين وقال: "وقد ذكرنا له ترجمة حافلة في أول شرحنا لصحيحه ولنذكر هنا نبذة يسيرة من ذلك", فذكرها في ثلاث صفحات.


وترجم له ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى وعّدد شيئا من مناقبه ثم قال: "واعلم أن مناقب أبي عبد الله كثيرة فلا مطمع في استيعاب غالبها والكتب مشحونة به وفيما وردناه مقنع وبلاغ".


ويجدر بهذه المناسبة أن أضع بين يدي القارئ جدولا يوضح بعض الكتب المطبوعة التي اشتملت على ترجمته وتسمية مؤلفيها مع ذكر تاريخ وفياتهم وعدد صفحات الترجمة وتعيينها من كل كتاب ليكون راغب الوقوف على أخباره رحمه الله على علم بمظنتها كما يدرك من ذلك أيضا المطوّل منها والمختصر وذلك فيما يلي:






1. الخطيب البغدادي 463هـ تاريخ بغداد
31
4
2
مصر 1349هـ

2.
القاضي محمد بن أبي يعلى 526هـ
طبقات الحنابلة
9
271
1
مصر مطبعة السنة المحمدية

3.
ابن خلكان 681هـ
وفيات الأعيان
3
309
3
1367 مصر

4.
الحافظ الذهبي 748هـ
تذكرة الحفاظ
2
134
2
في حيدرأباد بالهند

5.
ابن السبكي 771هـ
طبقات الشافعية الكبرى
18
2
2
1324 مصر

6.
الحافظ ابن كثير 774هـ
البداية والنهاية
3
24
11
مطبعة السعادة بمصر

7.
الحافظ ابن حجر العسقلاني 852هـ
هدي الساري
17
255
2
1383 مصر

8.
الحافظ ابن حجر العسقلاني 852هـ
تهذيب التهذيب
9
47
9
1326 حيدر أباد

9.
العليمي الحنبلي 928هـ
المنهج الأحمد
4
133
1
1383هـ بمصر

10.
ابن العماد الحنبلي 1089هـ
شذرات الذهب
2
134
2
1350هـ مصر

11.
صديق حسن خان 1307هـ
التاج المكلل
3
106
0
1382 الهند



وفاته ومدة عمره: ـ توفي رحمه الله في خرتنك قرية من قرى سمرقند ليلة السبت بعد صلاة العشاء, وكانت ليلة عيد الفطر, ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومائتين. ومدة عمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما رحمه الله تعالى, قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية: "وقد ترك رحمه الله بعده علماً نافعاً لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة".


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به" الحديث, رواه مسلم.





شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net
 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
الإمام المبجل أحمد بن حنبل .. الدفاع عن السنة

بقلم » الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي




الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:


ليس بخاف على أحد أن إسلامنا قد مر بأدوار مختلفة في عصور شتى بأزمات وعقبات لم تكن أخف وأسهل مما تعيش فيها اليوم أمتنا الإسلامية في جهات متعددة من العالم الإسلامي وغيره إلا ما شاء الله تعالى.


وليس غرضي في هذه المقالة المتواضعة أن أتعرض لتلك الأوضاع التي سدت طرق الخير والرشاد والتقدم في وجه العالم لأني لست ممن يضع الحلول السريعة لتلك الأوضاع المشار إليها، ولأن هناك بحمد الله رجالا مخلصين وهبهم الله تبارك وتعالى همة عالية وعزما أكيدا وإيمانا راسخا ولا تزال مساعيهم مبذولة لجمع الصفوف وتوحيد الكلمة وتثبيت الحق ورفع راية الحق عالية خفاقة وعلى رأسهم إمامنا المفدى حامي حمى الدين والداعية الإسلامي الكبير فيصل بن عبد العزيز آل سعود المعظم رعاه الله بعين رعايته ووفقه لكل خير، آمين.


نعم، قلت: قد مر الاسلام بأخطر أزمة وأشدها وأقساها وذلك في بداية القرن الثالث عندما تعرض لأكبر حملة شعواء من قبل تلامذة اليونان المتفلسفة وعلى رأسهم الخليفة العباسي عبد الله المأمون الرشيد القرشي.


قال الإمام ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية 10: 266 – 267: "ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائتين سنة 212. وفي ربيع الأول أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين إحداهما أطم من الأخرى وهي القول بخلق القرآن.


والثانية: تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أخطأ في كل واحدة منها خطأ كبيرا فاحشا وأثم إثما عظيما ".


قلت: هذا بداية الشر الذي بدأ في ذلك اليوم من تاريخ الاسلام ودعوة صريحة إلى الالحاد وإنكار صفات الباري جل وعلا, ثم تطورت هاتان الفتنتان,حتى أخذتا شكلا آخر من حيث القوة والنشر حتى أصبحتا دين الخليفة وروحه وامتزجتا بعروقه، وهكذا هما في كل يوم في شأن وقوة إلى أن بلغتا أوجهما في سنة 218، حسب ذكر عمدة المؤرخين الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى إذ يقول 10: 272:" وفي هذه السنة يعني سنة 218 كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم وكتب يستحثه في كتاب مطول". قلت: وكتب المأمون كتبا أخرى مماثلة إلى جميع نوابه في جميع البلدان وقد سردها الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه تاريخ الأمم والملوك 10: 284 – 292. ومن هنا نستنبط أن هذا المذهب المنكر الذي اتخذه المأمون كان مذهب الدولة الرسمي وكان مؤيدا بعصا السلطان القوية ولم يكن للناس بد من قبولهم إياه وإقبالهم عليه سواء أرضوا أم كرهوا فإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذي يواجه هذه القوة الباطلة وزد على ذلك أن الاكثرية الغالبة ممن كانوا يعيشون للبطون مع انتسابهم إلى العلم كانوا مع المأمون. قال أبو الفداء في نفس الصفحة:" والمقصود أن كتاب المأمون لما ورد بغداد قرئ على الناس وقد عين المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه وهم محمد بن سعد الكاتب" (قلت: صاحب كتاب الطبقات الكبرى ويعتبر كتابه من المراجع الهامة في تاريخ الرجال), "وأبو مسلم المستملى ويزيد بن هارون ويحي بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن الدورقي فبعث بهم المأمون إلى الرقة, قلت: أما يزيد بن هارون فلا وجه لذكره هنا لأنه توفي في السنة السادسة بعد المائتين كما ذكره الحافظ في التقريب 2: 372 إذ يقول: "يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد من التاسعة مات 206 وقد قارب التسعين". انتهى". قلت: قال ابن كثير: "فامتحنهم المأمون بخلق القرآن فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقته وهم كارهون فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ففعل إسحاق ذلك". قلت: هؤلاء الممتحنون جلهم من كبار المحدثين ومن أئمة الجرح والتعديل ومن شيوخ جبل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الذي نحن بصدد ترجمته.


والبحث في ذلك طويل جدا وما قام به المأمون من حركة كبيرة لنشر هذه المذاهب الباطلة يطول ذكرها.


وقد سبق أن قلت إن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب نائب المأمون ببغداد أمر من قبل المأمون بامتحان القضاة والمحدثين. قال الإمام ابن كثير 10: 273: "فأحضر إسحاق جماعة من الأئمة وهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقتيبة وأبو حيان الزيادي وغيرهم كثيرون" ذكرهم ابن كثير. قلت: فامتحنهم واحدا فواحدا ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق ؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا, فقال له: ما تقول في هذه الرقعة ؟ - قلت: كانت تلك الرقعة التي كتب فيها بشر بن الوليد إقراره حول مسألة خلق القرآن وكان موافقا لما كان عليه مذهب السلف رضي الله تعالى عنهم وبشر هذا هو بشر بن الولـيد الكندي وهو ثقة مأمون ذكره الخطيب في تاريخه 7: 74- قلت: قال الإمام أحمد مجيباً لإسحاق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول سميع بأُذن وبصير بعين فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير ؟ فقال رحمه الله: أردت منها ما أراده الله منها وهو كما وصف نفسه ولا أزيد على ذلك فكتب جوابات القوم رجلا رجلا وبعث بها إلى المأمون، وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه وإن كان له رزق على بيت المال قطع وإن كان مفتيا منع من الإفتاء وإن كان شيخ حديث ردع من الأسماع والأداء.


ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله.


قلت: أتعرض أولا لترجمته ثم لوقوفه بتلك الوقفة التاريخية التي تشبه وقفة الصديق رضي الله تعالى في أصحاب الردة, ثم أتعرض لتعريف كتابه العظيم علل الحديث ومعرفة الرجال, ثم الالتماس والرجاء من إمامنا المفدى وقائد مسيرتنا الإسلامية وأب المسلمين بأن يأمر بطبع هذا الكتاب القيم المبارك لرجل عظيم بارع أمام أهل السنة أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى.


فأما ترجمته فإنها ما شاء الله أفردت فيها تصانيف الأئمة رحمهم الله تعالى منهم الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفي سنة 597 فقد صنف في مناقب الإمام أحمد رحمه الله مجلداً لطيفاً بلغ ثلاث وثلاثين وخمسمائة صفحة وإنه كتاب حافل جواد ممتع كتب على طريقة المحدثين بإسناده إلى من أخذ العلم عن الإمام أحمد مباشرة وقد سبق الإمام ابن الجوزي شيخ الإسلام الهروي إلا أن كتابه مفقود وترجم له أيضا الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 412 – 423 إذ يقول الخطيب:" الإمام الجليل أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسعر أبو عبد الله إمام المحدثين الناصر للدين والمناضل عن السنة والصابر في المحنة مروزي الأصل قدمت أمه بغداد وهي حامل فولدته ونشأ بها وطلب العلم وسمع الحديث من شيوخها ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة".


قال الخطيب بإسناده عن عبد الله بن أبي داود، قال:" أحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ابن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما لم يكن في زمن قتادة مثل قتادة".


قلت: لعله يقصد من ذلك قتادة بن دعامة السدوسى أبو الخطاب البصري ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات بضع وعشرة ومائة وهو من رجال الكتب الستة قاله الحافظ في التقريب.


وقال بن أبي داود: "ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله".


قال الخطيب راداً على عباس الدوري وأبي بكر بن أبي داود بقوله:" قلت أحمد من بني ذهل بن شيبان غلط", إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان".


قال الخطيب 4: 413:" حدثني من أثق به من العلماء بالنسب قال: مازن ابن ذهل بن ثعلبة الحصن هو ابن عكابة بن مصعب بن علي ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار كما ذكرناه عن ابن أبي داود".


قلت: قد يكون الخطيب مصيباً فيما يقول, وأما قوله: حدثني من أثق به من العلماء بالنسب فهذا مما لا يحتج به علماء الحديث, وأما عند علماء الأنساب فأنا لا أدري والله تعالى أعلم.


وترجم لهذه الشخصية العظيمة الفذة الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفي سنة 327هـ في كتابه تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل 292 – 313.



مقدمات في المحنة

قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية 10: 331 – 332:" قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل".


قال البيهقي: "لم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له واتفق خروجه إلى طرطوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد كما مر بكم ذكره".


وقال الإمام ابن كثير:" واتفق للمأمون ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة 218". قلت: نسأل الله العفو والعافية عن سوء العاقبة. قال ابن كثير:" فلما وصل الكتاب كما ذكر استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين".


قلت: وكان من المجيبين الإمام يحي بن معين وابن أبي خيثمة ومحمد بن سعد وغيرهم وكانوا من المكرهين كما مرّ, وقال الإمام ابن كثير:" واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ومحمد بن نوح رحمه الله الجنديسابوري فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر فسلم على الإمام أحمد وقال له:" يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميدا".


قلت: صدق الأعرابي رحمه الله ورب أحمد, وكيف لا؛ لأن محنة أحمد ووقفته تلك أعادت للقرآن الكريم – بعد الله عز وجل – حقيقته الكبرى وشرفه العظيم بأنه صفة من صفات الباري جل وعلا وكذا للسنة المحمدية قوتها ونضارتها وحجيتها.


قال الإمام ابن كثير:" قال أحمد وكان كلام الأعرابي مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك ما يدعونني إليه, فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت لو صح هذا فهو طامة كبرى لأن الحلف بغير الله شرك, ثم قال الإمام أحمد قيل لي: لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف قال: فجثي الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال: سيدي عز حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فأكفنا مؤنته, قال: فجاهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل, قلت وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله:" إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.


وكان أن شاء الله تعالى الإمام أحمد رحمه الله من أولئك العباد الصالحين الذين أشار إليهم الحديث.


وقال الإمام أحمد:" ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد والأمر شديد فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى ونالني منهم أذى كثير". قال الإمام ابن كثير:" وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا وقيل نيفا وثلاثين شهرا ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم. وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.



الإمام أحمد بين يدي المعتصم في حالة القيود

لما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده قال أحمد فلم أستطع أن أمشي بها فربطها في التكة وحملتها بيدي ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس أحد معي يمسكني فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم فأدخلت في بيت وأغلقت علي وليس عندي سراج فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذ أنا على القبلة ولله الحمد ثم دعيت فأخلت على المعتصم فلما نظر إلي وعنده ابن أبي دؤاد قال المعتصم: أليس قد زعمتم أنه حديث السن وهذا شيخ مكهل ؟


قال الإمام أحمد: فلما دنوت منه سلمت قال لي: أدنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال: اجلس فجلست وقد أثقلني الحديد فمكثت ساعة ثم قلت: يا أمير المؤمنين إلى ما دعا إليه ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله, قلت فإني أشهد أن لا إله إلا الله, قال ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ثم قلت فهذا الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه وذلك أني لم أتفقه كلامه", قلت: كره كلامه أبو عبد الله رضي الله عنه أشد الكراهية وكيف يتفقه كلامه وعنده كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظا دون المعنى وقد كفياه عما سواهما لأنها علم ونور وبرهان وحجة وأما ما كان عند ابن أبي دؤاد وأضرابه فإنه جهل وغواية وضلالة وفساد ودمار نسأل الله العفو والعافية عن تعليقها للقلب فتفسده وتضره.


" ثم قال المعتصم: لو لا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك ثم قال: يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة ؟ قال أحمد: فقلت: الله أكبر هذا فرج للمسلمين ثم قال: ناظره يا عبد الرحمن كلمه".


قلت: لم أبحث عن عبد الرحمن هذا فإنه قد يكون فيما أظن أبا عبد الرحمن لأن كنيته أحمد بن أبي دؤاد بن جرير بن مالك الأيادي المعتزلي عليه من الله ما يستحق.


قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: " فقال لي عبد الرحمن ما تقول في القرآن ؟ فلم أجبه فقال المعتصم: أجبه فقلت: ما تقول في العلم ؟ فسكت, فقلت: القرآن من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله فسكت فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا فلم يلتفت إلى ذلك فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن فقلت: كان الله ولا علم فسكت فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به فقال ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا ؟


فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما.



قلت: ثم جرت بين القوم وبين إمامنا رحمه الله تعالى مناظرات طويلة وقد تغلب حجته على حججهم, ويقول الإمام أحمد: "وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحداً يقولها وقد تكلم معي ابن غياث المريسي"- قلت: عليه من الله ما يستحق- بكلام طويل ذكر فيه الجسم وغيره بما لا فائدة فيه, فقلت: لا أدري ما تقول إلا أني أعلم أن الله أحد صمد ليس كمثله شيء, فسكت, وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ويلفقوا من بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه وهيهات وأنى لهم التناوش من مكان بعيد, وفي غبون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول:" يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي فأقول: يا أمير المؤمنين يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبهم إليها".


محنة الإمام أحمد:

قال الإمام ابن كثير (10: 334): فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة فقالوا: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين. فعند ذلك حمي واشتد غضبه وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شيء. قال أحمد: "فعند ذلك قال لي لعنك الله ".


ثم قال المعتصم: طمعت فيك أن تجيبني ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر وكان معي شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي فجردوني منه وصرت بين العقابين فقلت يا أمير المؤمنين الله الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرءٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلاّ بإحدى ثلاث". وتلوت الحديث وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فبمَ تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا ؟. يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك. ولم تؤثر هذه النصوص الصحيحة الثابتة في المعتصم بل زادته طغياناً وعلواً وفساداً. قال الإمام أحمد: فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين، ويقول له المعتصم: شد قطع الله يديك ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطاً فأغمي عليّ، وذهب عقلي مراراً فإذا سكن الضرب يعود عليّ عقلي، وقام المعتصم إليّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل، وأعادوا الضرب ثم عاد إليّ فلم أجبه فأعادوا الضرب ثم جاء إليّ الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلاّ وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.


قال الإمام ابن كثير: " ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطاً وقيل ثمانين سوطاً ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً، وقد كان الإمام أحمد رجلاً طوالا رقيقاً أسمر اللون كثيراً التواضع رحمه الله تعالى ".


قلت: لولا الله عز وجل ثم الإمام أحمد ووقوفه أمام تلك القوة الباغية الطاغية بذلك الإيمان الراسخ وتضحيته وفداؤه لما كان لنا هذا القرآن وهذه السنة ولاندثرت معالم الحق وينابيع الخير وطمست عقيدة السلف، ولما كان للإمام ابن تيميه عليه الرحمة ذلك الجهاد القوي المتين الذي يضرب به المثل أمام الخلائق، ولما كان لمجدد القرن الثاني عشر شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ذلك النصيب الأوفر من الدعوة المحمدية التي أقام بها الدولة المحمدية في شبه الجزيرة العربية ولا تزال قائمة حتى الآن، فالفضل لله عز وجل كله ثم للإمام أحمد رحمه الله تعالى.


قال الحافظ ابن حجر في( التهذيب: 1: 75) نقلاً عن ابن حبان في كتابه (الثقات) مشيراً إلى الإمام: أحمد كان حافظاً متقناً فقيهاً ملازماً للورع الخفي مواظباً على العبادة الدائمة أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذاك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله تعالى عن الكفر وجعله علماً يقتدى به، وملجأ يلجأ إليه. وقال أبو الحسن ابن الزاغوني: كشف قبر أحمد حين دفن الشريف أبو جعفر بن أبي موسى إلى جانبه فوجد كفنه صحيحاً لم يَبْلَ وجنبه لم يتغير وذلك بعد موته بمائتين وثلاثين سنة ) انتهى.


قلت: ليس هذا بغريب في الإسلام فقد وردت في الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى قصة مماثلة وقعت لصحابي جليل استشهد في غزوة أحد ثم أخرجه ابنه بعد ستة أشهر فوجده كما كان رضي الله عنه[1].


قلت: ترجم للإمام أحمد السيد صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفي سنة 1248هـ. العالم السلفي الجليل صاحب تفسير فتح البيان في التاج المكلل ص 24 – 28 فأجاد وأفاد مع الاختصار، وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه في مائتين وإحدى وأربعين. وسوف أتعرض لترجمته -إن شاء الله تعالى- في بحث مستقل بالتفصيل. وأما الآن فأضع أمامكم مخطوطاً مصوراً عظيماً يوجد في مكتبة الحرم المكي في علل الحديث ومعرفة الرجال، فهو كتاب لصاحب هذه الترجمة العاطرة، الذي يعتبر أول كتاب في الإسلام في علل الحديث فيما أظن، ومن العجيب أنه لم يرد له ذكر في الفهارس الموجودة لدينا ككشف الظنون وذيوله وفي الرسالة المستطرفة للكتاني. وكذا في كتب أصول الحديث التي توجد الآن في مكتبتنا الإسلامية على ما أظن والله أعلم. وهذا أمر يستغرب منه أشد الاستغراب وكيف لا ؟ وقد ذكرت كتب علل الحديث للمؤلفين الذين لا وزن لهم بالنسبة لهذا الرجل العظيم الذي أنقذ الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفع به شأن السنة المحمدية وكل ما كتب في حق الإمام أحمد رحمه الله فهو قليل جداً من كثير فكتابة الذي أنا بصدده فهو ( علل الحديث ومعرفة الرجال ) الذي طبع منه الجزء الأول في أنقرة بتركيا نشره الدكتوران المسلمان طلعت و إسماعيل جراح أوغلي عام ( 1963)م نشراه عن النسخة الفريدة الموجودة بمكتبة آياصوفيا تحت رقم (3380) عورضت على أبي علي بن الصواف (359 – 970 ) في سنة 343 وقوبلت بنسخة عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد ابن حنبل مع تعليقات وحواش. وكان هذا المجهود العلمي الكبير من كلية الإلهيات بجامعة أنقرة.


قلت: إن كتاب الجرح والتعديل للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي فرع لهذا الكتاب، إن قارنت بين عبارتيهما يظهر لك كل شيء مما يدل على أن كتاب علل الحديث للإمام أحمد أصل أصيل في علل الحديث والله أعلم.


والجزء الأول المطبوع في تركيا قد خدم خدمة جبارة ممتازة من قبل الدكتورين المذكورين، وقد وعدا بأن يخرجا الجزء الثاني للكتاب إلاّ أن هذا الوعد الكريم قد مضى عليه أكثر من تسع سنوات ولم أدر ماذا جرى لها، والنسخ التي وردت في هذه البلاد المقدسة كانت محدودة جداً على ما أظن من تركيا الإسلامية.


يقع هذا الجزء الأول من الكتاب مع التحقيق في خمسمائة صفحة واليأس مسيطر على ذوي الحاجة من طلاب الحديث بأن حصل مانع للأخوين الكريمين من إخراج بقية الكتاب أو جاء على أحدهما أو على كليهما نداء رباني فلباه أو هناك أمور أخرى لا نعلمها والله أعلم بهما وبما فعلا.


وأما المخطوط الذي أنا بصدد تعريفه فهو مصور بصورة فوتوغرافية مأخوذة من مكتبة أياصوفيا بتركيا ورقم الكتاب هناك بتلك المكتبة هو (3380) وهو واقع في 178 ورقة والمطبوع منه إلى 97 ورقة والباقي الذي لم يطبع حسب ما بلغ علمي إحدى وثمانون ورقة. وقد ذكرت من قبل أن المطبوع هو الجزء الأول فأحب أن أوضح هذا الأمر لئلا يشكل على أهل العلم. إن الجزء الأول المطبوع مشتمل على أربعة أجزاء حقيقية حسب ترتيب المؤلف رحمه الله تعالى، وأما تسمية المطبوع بالجزء الأول فهو من اصطلاح الناشرين فالكتاب كله واقع في ستة عشر جزءاً. والأجزاء الأربعة الأول المطبوعة أكبر حجماً من الأجزاء الثمانية الباقية التي لم تطبع حسب ما بلغ علمي والتي تقع في إحدى وثمانين ورقة في مخطوطنا هذا والله تعالى أعلم.


وأما آخر عبارة المطبوع من الأجزاء الأربعة فهي كالآتي:


قلت: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قرأت على أبي أبو بدر قال: صليت على جنازة ابن أبجر أنا وسفيان الثوري فتقدم عليه أخ له[2] وفي رأيه شيء فصلى عليه وكان في رواية شيء فكبر عليه خمساً فلما فرغ من الرابعة سلم سفيان فأقبل عليّ ثم قال ما يريدون إلى هذا انتهى.


وأما آخر العبارة من الأجزاء الثمانية الباقية غير المطبوعة فهي كالآتي: حدثني أبي قال سمعت سفيان يقول قال لي عمر بن وهب يعني سنداً أنه لا يحدثك به أنه لا يذكره، قال سفيان فقلت لعبد الرحمن سمعت أباك فحدث عن عائشة فسكت ساعة ثم قال: نعم.


آخر الجزء السادس عشر من أجزاء عبد الله بن أحمد وهو آخر الكتاب ( والحمد لله وحده وصلى الله وملائكته على محمد النبي وآله وسلم تسليماً ).


قلت: ويقع هذا الكتاب المبارك العظيم النفع في ستة عشر جزءاً وقد كتب على غلافه الكلمات التالية: الجزء الأول من كتاب العلل ومعرفة الرجال عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أبي علي محمد أحمد بن الحسن الصواف عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أبي عبد الله سماع عبيد الله بن أحمد لأبي الحسن علي ابن الحسن بن أحمد المقري. وسمعه قراءة على الشيخ أبي الفتح محمد أحمد أبي الفوارس علي بن أبي علي بن الصواف وذلك في محرم سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وسمع جميعه -أيضاً- محمد بن ضران بن الحسين المزارع وعبد الواحد ...الخ. وقد كتبت عبارة أخرى على الغلاف أيضا


وهي كالآتي: (وقف هذه النسخة الجليلة سلطاننا الأعظم وخاقان المعظم السلطان ابن السلطان محمود خان وقفاً صحيحاً رضا لمن طالع وتبصر).


قلت: هناك عبارة واقعة على الغلاف وهي تدل على أن هذه النسخة كانت في الحرمين في عصر من العصور ثم ذهب بها إلى تركيا ومن العجيب العجاب كيف كانت تنقل هذه النسخ الثمينة بعد وقف صاحبها على مكتبات الحرمين !


قلت: هذه النسخة -والله تعالى أعلم- فريدة في العالم كما ذكر الدكتوران الكريمان في تحقيقهما على الكتاب المذكور، فهذه النسخة التي أمامي في مكتبة الحرم المكي مأخوذة من مكتبة أياصوفيا وهي التي أشار إليها الأخوة، وزد على ذلك ما ذكره كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي -الذي نقله إلى العربية الدكتور عبد الحليم النجار( ج 3: 312)-يقول: المذكور 8 كتاب العلل والرجال لأبي عبد الله أحمد ابن حنبل الشيباني الذهلي أياصوفيا 3380 ( انظر 249، 17 الفهرست)، قلت: يوجد الجزء الثاني عشر من الكتاب في معهد المخطوطات العربية راجع الفهرست ج 2: 110 وقد صور هذا الجزء من مكتبة الظاهرية بدمشق الذي سجل هناك برقم 544 – ف46 راجع نفس المرجع وكتب هذا الجزء بخط قديم في سنة 341 في عشر ورقات.




الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي
مجلة الجامعة الاسلامية العدد : 13

شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net



 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member



شيخ الإسلام ابن تيمية

بقلم » زياد أبو رجائي





تميز شيخ الإسلام إبن تيمية بالإضافة إلى العلم والفقه في الدين و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بخصال حميده فكان سخيا كريما، كثير العبادة والذكر والقرآن، وكان ورعا زاهدا متواضعا، ومع ذلك فقد كانت له هيبة عند السلطان وقصته مع سلطان التتار معروفه، كما عرف رحمه الله بالصبر وقوة الإحتمال في سبيل الله. قرأ المزي فصلا من كتاب أفعال العباد للبخاري في الجامع فسمعه بعض الشافعية فغضب وقالوا نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه فبلغ ابن تيمية فتوجه إلى الحبس فأخرجه بيده فبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيمية فتشاجرا بحضرة النائب واشتط ابن تيمية على القاضي لكون نائبه جلال الدين آذى أصحابه في غيبة النائب فأمر النائب من ينادي أن من تكلم في العقائد فعل كذا به وقصد بذلك تسكين الفتنة
قال جمال الدين السرمري في "أماليه" : ومن عجائب ما وقع في الحفظ من أهل زماننا أن ابن تيمية كان يمر بالكتاب مطالعة مرة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه.

1 - اسمه ونسبه:هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني .
وذكر مترجموه أقوالاً في سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) منها ما نقله ابن عبد الهادي رحمه الله : (أن جده محمداً كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتاً له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك) .

2 - مولده ونشأته:ولد رحمه الله يوم الاثنين، عاشر، وقيل: ثاني عشر من ربيع الأول سنة 661هـ. في حرّان . وهي بلدة تقع في الشمال الشرقي من بلاد الشام في جزيرة ابن عمرو بين دجلة والفرات.

وانتقل مع والده الى دمشق سنة 667هـ فنشأ فيها وتلقى على أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الايام.

وفي سنة 667هـ أغار التتار على بلده، فاضطرت عائلته إلى ترك حران، متوجهين إلى دمشق ، وبها كان مستقر العائلة، حيث طلب العلم على أيدي علمائها منذ صغره، فنبغ ووصل إلى مصاف العلماء من حيث التأهل للتدريس والفتوى قبل أن يتم العشرين من عمره .
ومما ذكره ابن عبد الهادي رحمه الله عنه في صغره أنه: (سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير.
وعني بالحديث وقرأ ونسخ، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي ، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً، حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك.
هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فُرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) .
(وقلّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه، كأن الله قد خصه بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء - غالباً - إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره.
فإنه لم يكن مستعاراً، بل كان له شعاراً ودثاراً، ولم يزل آباؤه أهل الدراية التامة والنقد، والقدم الراسخة في الفضل، لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة) .
وكان رحمه الله حسن الاستنباط، قوي الحجة، سريع البديهة، قال عنه البزار رحمه الله (وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها، ولوازمها وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها، حتى إذا ذكر آية أو حديثاً، وبين معانيه، وما أريد فيه، يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه، ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه) .
وكان رحمه الله ذا عفاف تام، واقتصاد في الملبس والمأكل، صيناً، تقياً، براً بأمه، ورعاً عفيفاً، عابداً، ذاكراً لله في كل أمر على كل حال، رجاعاً إلى الله في سائر الأحوال والقضايا، وقافاً عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تكاد نفسه تشبع من العلم، فلا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث.
قال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله عنه: (ثم لم يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم، والتواضع والحلم والإنابة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد مع الصدق والعفة والصيانة، وحسن القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه، وكثرة المراقبة له وشدة التمسك بالأثر، والدعاء إلى الله وحسن الأخلاق، ونفع الخلق، والإحسان إليهم والصبر على من آذاه، والصفح عنه والدعاء له، وسائر أنواع الخير) .

3 – فقهه رحمه اللهمن شيوخ ابن تيمية : اخذ الفقه والاصول عن والده وسمع عن خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين والشيخ زين بن المنجّا والمجد بن عساكر‏
في عصر ابن تيمية رحمه الله قل الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قصارى جهد كثير من العلماء هو جمع وفهم الأقوال من غير بحث ولا مناقشة، فألفت الكتب المطولة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد، وهكذا عصور الضعف تمتاز بكثرة الجمع وغزارة المادة مع نضوب في البحث والاستنتاج.
4- من تلاميذ الشيخ :شمس الدين ابن قيم الجوزية.
أبو عبدالله محمد الذهبي صاحب (ميزان الاعتدال).
اسماعيل بن عمر بن كثير.
محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي.
أبو العباس أحمد بن الحسن المشهور بقاضي الجبل.
زين الدين عمر الشير بابن الوردي.
أبو حفص عمر الحراني.
أبو عبدالله محمد بن مفلح.

5 - محن الشيخ:امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد .
واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
وفي سنة 709هـ نفي من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، ويتقبلوا منهجه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر طلبه إلى القاهرة الناصر قلاوون بعد أن عادت الأمور إليه، واستقرت الأمور بين يديه، فقد كان من مناصري ابن تيمية رحمه الله وعاد الشيخ إلى دورسه العامرة في القاهرة.
وامتحن شيخ الإسلام بسبب فتواه في مسألة الطلاق ، وطُلب منه أن يمتنع عن الإفتاء بها فلم يمتنع حتى سجن في القلعة من دمشق بأمر من نائب السلطنة سنة 720هـ إلى سنة 721هـ لمدة خمسة أشهر وبضعة أيام.
وبحث حساده عن شيء للوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له حول زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع من زيارة القبور حتى قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤال صاحبها عن صحتها ورأيه فيها، فصدر الحكم بحقه في شعبان من سنة 726هـ بأن ينقل إلى قلعة دمشق ويعتقل فيها هو وبعض أتباعه واشتدت محنته سنة 728هـ حين أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والأقلام، ومنع من ملاقاة الناس، ومن الكتابة والتأليف .

5 - وفاته رحمه الله:في ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة (728هـ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها، وأُذن للناس بالدخول فيها، ثم غُسل فيها وقد اجتمع الناس بالقلعة والطريق إلى جامع دمشق، وصُلي عليه بالقلعة، ثم وضعت جنازته في الجامع والجند يحفظونها من الناس من شدة الزحام، ثم صُلي عليه بعد صلاة الظهر، ثم حملت الجنازة، وكان يومه مشهودا ضاقت بجنازته الطريق وانتابها المسلمون من كل فج عميق يتقربون بمشهده يوم يقوم الأشهاد ويتمسكون بسريره حتى كسروا تلك الأعواد

6 – قالوا فيه :
1- قال السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر ( في معرض سرد الكتب التي قرظها ابن حجر) ما نصه :
( ومن ذلك ما كتب به على( الرد الوافر على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر )
2- قال العلامة كمال الدين بن الزملكاني (ت - 727هـ) : (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين ) .



3- قال ابن دقيق العيد رحمه الله : (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) .

4- قال أبو البقاء السبكي : (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) ، وحين عاتب الإمام الذهبي (ت - 748هـ) الإمام السبكي كتب معتذراً مبيناً رأيه في شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
(أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخاره بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق والقيام فيه، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان) .

5-الإمام الذهبي أثنى على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
أ -(ابن تيمية: الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط) .
ب- ( وما رأيت أسرع انتزاعا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه كأن السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة وكان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه وأما أصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يشق غباره فيه هذا مع ما كان عليه من الكرم والشجاعة والفراغ عن ملاذ النفس )
ج- (كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه...) .
د- ( لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم)

6- قال الشوكاني رحمه الله (إمام الأئمة المجتهد المطلق) .
( حم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته . )
7- قال الأقشهري: ( في رحلته في حق ابن تيمية بارع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب وفنون أخر وما من فن إلا له فيه يد طولى وقلمه ولسانه متقاربان )
8- قال الطوفي : ( سمعته يقول من سألني مستفيدا حققت له ومن سألني متعنتا ناقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مؤنته )
7- قال تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي رحمة الله واما فتاويه ونصوصه واجوبته على الملل فهي اكثر من ان تحصى لكن دُوِن منها بمصر على ابواب الفقه سبعة عشرة مجلدًا وهذا ظاهر مشهور‏.‏ وقل ان وقعت واقعة وسئل عنها الا واجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره الى زمن طويل ومطالعة كتب على السؤال الواحد مجلدًا‏.‏ واما جواب يكتب فيه خمسين ورقة وستين فكثير جدًا‏.‏ وقال عنه ايضًا مبينًا لمنهجه في الفتوى‏:‏ ففي بعض الاحكام يفتي بما ادى اليه اجتهاده من مواقفه ائمة المذاهب الاربعة‏.‏ وفي بعضها قد يفتى بخلافهم او بخلاف المشهور في مذاهبهم‏.‏ انتهى‏.‏
8- الشيخ محمد ‏ بهجة البيطار ‏ :)‏ اشتهر ابن تيميه بمسائل اثرت عنه وظن وكثير من الناس انه انفرد بها عن غيره‏.‏ بل ظنوا انه خالف في بعضها الاجماع وهي امور اجتهادية يقع في مثلها الخلاف بين العلماء ومن المفروغ منه ان ابن تيميه قد بلغ رتبة الاجتهاد في الاحكام الشرعية‏.‏ وانه كان يفتي الناس بما ادى اليه اجتهاده ,‏ وانه موافق في فتاواه بعض الصحابة او التابعين او احد الائمة الاربعة او غيرهم ممن عاصرهم او جاء قبلهم او بعدهم‏.‏ )

9- قال العلامة برهان الدين بن الامام محمد المعروف بابن القيم الجوزية‏:‏ ( لا نعرف مسالة خرق فيها الاجماع‏,‏ ومن ادعى ذلك فهو اما جاهل واما كاذب‏ )





شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net


 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
الإمام القدوة مسروق بن الأجدع

بقلم » مجدي عرفات









اسمه ونسبه: هو مسروق بين الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة بن سلمان بن معمر ويقال: سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وادعة بن عمر بن عامر الهمداني، يقال: إنه سُرِقَ وهو صغير ثم وُجد فسمي مسروقًا، وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
شيوخه: حدث عن أبي بن كعب وعمر، وروى عن أم رومان ومعاذ بن جبل، وخباب وعائشة وابن مسعود وعثمان وعلي وعبد الله بن عمرو وابن عمر ومعقل بن سنان والمغيرة بن شعبة وغيرهم.

الرواة عنه: روى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب، وعبد الله بن مرة، وأبو وائل، وأبو الضحى، وأبو إسحاق، وأبو الأحوص الجشمي، وأنس بن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي وآخرون.
ثناء العلماء عليه:قال مرة الهمداني وأبو السفر: ما ولدت همدانية مثل مسروق.
وقال: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق، وكان شريح يستشير مسروقًا، وكان مسروق لا يستشير شريحًا.
قال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة والأسود وعبيدة ومسروقًا والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل.
قال ابن المديني: أنا ما أقدم على مسروق أحدًا.
قال ابن عيينة: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد.
قال يحيى بن معين: مسروق ثقة لا يُسأل عن مثله.
قال العجلي: تابعي ثقة كان أحد أصحاب عبد الله الذين يُقرئون ويُفتون وكان يصلي حتى ترم قدماه.
قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث صالحة.
قال أبو نعيم: ومنهم العالم بربه، الهائم بحبه، الذاكر لذنبه، في العلم معروف، وبالضمان موثوق، ولعباد الله معشوق، أبو عائشة المسمى بمسروق.
قال ابن حجر: ثقة فقيه عابد مخضرم.
من أحواله وأقواله:قال الشعبي: خرج مسروق إلى البصرة إلى رجل يسأله عن آية فلم يجد عنده فيها علمًا، فأخبر عن رجل من أهل الشام، فقدم علينا هاهنا ثم خرج إلى الشام إلى ذلك الرجل في طلبها.
قال أبو الضحى: كان مسروق يقوم فيصلي كأنه راهب، وكان يقول لأهله: هاتوا كل حاجة لكم فاذكروها لي قبل أن أقوم إلى الصلاة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ويقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم.
قال أبو إسحاق: حج مسروق فلم ينم إلا ساجدًا على وجهه حتى رجع.
وعن امرأته قالت: كان مسروق يصلي حتى تورَّم قدماه، فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
عن مسروق قالت عائشة: يا مسروق، إنك من ولدي وإنك لمن أحبهم إليَّ، فهل لك علم بالمُخْدَج(1).
قال إبراهيم بن المنتشر: أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفًا وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها.
قال أبو إسحاق السبيعي: زوج مسروق بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين.
قال أبو الضحى: غاب مسروق عاملاً على السلسلة سنتين ثم قدم فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسًا، فقالوا: غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود، قال: إنا لله استعرناها نسينا نردها.
وقال الكلبي: شلت يد مسروق يوم القادسية وأصابته آمّة.
قال الشعبي: غشي على مسروق في يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فَسَمّى بنته عائشة، وكان لا يعصى ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرفق، قال: يا بنية، إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرًا، ويتأول هذه الآية: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم.
وقال أبو الضحى: سُئل مسروق عن بيت شعر، فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعرًا.
قال مسروق: لأن أفتي يومًا بعدل وحق، أحب إليَّ من أن أغزو سنة.
قال: ما بقي شيء يُرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى.
قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله تعالى، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله.
قال: من سره أن يعلم علم الأولين والأخرين وعلم الدنيا والآخرة فليقرأ سورة الواقعة.
قال الذهبي: هذا قاله مسروق على المبالغة لعظم ما في السورة من جُمل أمور الدارين، ومعنى قوله: فليقرأ الواقعة أي يقرأها بتدبر وتفكر وحضور ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
قيل له: أبطأت عن عليٍّ وعن مشاهده، قال: أرأيتم لو أنه حين صفّ بعضكم لبعض فنزل ملك فقال: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما أكان ذلك حاجزًا لكم؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم وإنها لمحكمة ما نسخها شيء.
أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة قال: ألا أريك الدنيا، هذه الدنيا أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأمضوها (أخلفوها وأبلوها) واستحلوا فيها محارم وقطعوا فيها أرحامهم.
قال رحمه الله: ما من شيء خير للمؤمن من لحد قد استراح من هموم الدنيا.
كان يتمثل:
ويكفيك مما أغلق الباب دونه
وأُرخي عليه الستر ملح وجردق
ماء فرات بارد ثم تغتدي
تعارض أصحاب الثريد الملبق
تجشأ إذا ما تجشوا كأنما
غذيت بألوان الطعام المفتق
قال: إني أحسن ما أكون ظنًا حين يقول لي الخادم: ليس في البيت قفيز ولا درهم.
قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنونه ويستغفر منها.
قال: لقد اختلفت إلى عبد الله بن مسعود من رمضان إلى رمضان ما أغبه يومًا.
قال أبو الأحوص: سمعت ابن مسعود يقول لمسروق: يا مسروق، أصبح يوم صومك دهينًا كحيلاً وإياك وعبوس الصائمين، وأجب دعوة من دعاك من أهل ملتك ما لم يظهر لك منه معزاف أو مزمار، وصَلّ على من مات منهم، ولا تقطع عليه الشهادة، واعلم أنك لو تلقى الله بأمثال الجبال ذنوبًا خير لك من أن تلقاه- كلمة ذكرها- وأن تقطع عليه الشهادة، يا مسروق وصلّ عليه وإن رأيته مصلوبًا أو مرجومًا فإن سئلتَ فأحل عليَّ وإن سئلتُ أحلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشعبي: ما كان مسروق يشير على شريح بشيء إلا أطاعه.
قال مسروق: لا تنشر بزّك إلا عند من يبغيه، أي لا تنشر علمك إلا عند من ينتفع به.
قال أبو وائل: لما احتضر مسروق قال: أموت على أمر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، أما إني لست أدع صفراء ولا بيضاء إلا ما في سيفي هذا فبيعوه وكفنوني به.
قال مسروق: ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت مسلمًا ومعاهدًا دينارًا ولا درهمًا ولكن بي هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، فقيل له: ما حملك على الدخول فيه؟ قال: لم يدعني شريح وزياد والشيطان حتى أدخلوني فيه.
وفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وستين، وقيل ثلاث وستين.
المراجع:

- تاريخ دمشق لابن عساكر.
حلية الأولياء. - سير أعلام النبلاء.
تقريب التهذيب.


(1) المخدج اليد: أي يده ناقصة الخلق قصيرة.





مجلة التوحيد - العدد: 23


شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net

 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member



سيد العلماء أيوب السختياني

بقلم » مجدي عرفات​



اسمه ونسبه: هو الإمام الحافظ سيد العلماء أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان العنزي

مولاهم السختياني البصري.
مولده: ولد سنة ثمان وستين، عام توفي ابن عباس، ورأى أنس بن مالك.
شيوخه: سمع من سعيد بن جبير، وأبى العالية الرياحي، وأبي قلابة الجرمي، ومجاهد بن جبر، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والأعرج، وخلق سواهم.
الرواة عنه: روى عنه من شيوخه ابن سيرين، وعمرو بن دينار، والزهري، وقتادة، وروى عنه من غيرهم شعبة، وسفيان الثوري، ومالك، ومعمر، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن علية، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، وأمم غيرهم.

ثناء العلماء عليه

قال الحسن: أيوب سيد شباب أهل البصرة.
قال ابن عيينة: ما رأيت مثل أيوب، وكان قد لقي ستة وثمانين من التابعين.
قال هشام بن عروة: ما رأيت بالبصرة مثل أيوب السختياني.
قال شعبة: أيوب سيد الفقهاء.
قال الثوري: ما رأيت بالبصرة مثل أربعة، فبدأ بأيوب.
قال أبو عوانة: رأيت الناس ما رأيت مثل هؤلاء: أيوب، ويونس، وابن عون.
قال سلام بن أبي مطيع: ما فقنا أهل الأمصار في عصر قط إلا في زمن أيوب ويونس وابن عون، لم يكن في الأرض مثلهم.
قال ابن المديني: لما سُئل عن أصحاب نافع فقال: أيوب وفضلُهُ ومالك وإتقانُهُ، وعبيد الله وحفظُهُ.
قال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا في الحديث جامعًا، كثير العلم حجة عدلاً.
وسُئل أبو حاتم عنه فقال: ثقة لا يُسأل عن مثله.
قال حماد بن زيد: أيوب عندي أفضل من جالسته وأشده اتباعًا للسنة. قال النسائي: ثقة ثبت.
قال أبو نعيم: ومنهم فتى الفتيان، سيد العباد والرهبان، المنور باليقين والإيمان، السختياني أيوب بن كيسان، كان فقيهًا محجاجًا، وناسكًا حجاجًا، عن الخلق آيسًا وبالحق آنسًا.
قال الذهبي: إليه المنتهى في الإتقان.
قال ابن حجر: ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد.
من أحواله وأقوالهقال مالك: كنا ندخل على أيوب السختياني فإذا ذكرنا له حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه.
قلت: ففي الحديث الترهيب والتزهيد في الدنيا، بخلاف العلوم التي يبتغيها أهلها بعيدًا عن حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
قال سلام بن أبي مطيع: كان أيوب السختياني يقوم الليل كلّه، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
قال حماد: ما رأيت رجلاً قط أشد تبسمًا في وجوه الرجال من أيوب.
وقال أيضًا: كان أيوب لا يقف على آية إلا إذا قال: إن الله وملائكته يصلون على النبي سكت سكتة.
قال شعبة: ما واعدت أيوب موعدًا قط إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئت وجدته قد سبقني.
قال الخليل بن أحمد: لحن أيوب في حرف فقال: أستغفر الله.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب في مجلس فجاءته عبرة (الدموع والبكاء)، فجعل يتمخط ويقول: ما أشد الزكام. قلت: يُخفي البكاء عن جلسائه خوفًا من الرياء.
قال يونس بن عبيد: ما رأيت أحدًا أنصح للعامة من أيوب والحسن.
قال هشام بن حسان: أيوب السختياني حج أربعين حجة.
روى ضمرة عن ابن شوذب قال: كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية ويصلي لنفسه فيما بين الترويحتين بقدر ثلاثين آية، وكان يقول هو بنفسه للناس: الصلاة، ويوتر بهم ويدعو بدعاء القرآن ويؤمّن من خلفه، وآخر ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم استعملنا بسنته وأوزعنا بهديه واجعلنا للمتقين إمامًا ثم يسجد، فإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات.
قلت: يدعو بعد الركوع وليس قبل الركوع ودعاء القرآن ليس هو دعاء ختم القرآن المبتدع.
قال حماد: غلبه البكاء مرة فقال: الشيخ إذا كبر مجّ.
قلت: مجّ (كثر ريقه فأخرجه)، وقوله هذا إخفاء لما به من البكاء.
قال حماد: لو رأيتم أيوب ثم استقاكم شربة على نسكه لما سقيتموه، له شعر وافر، وشارب وافر، وقميص جيد هروي، يشم الأرض، وقلنسوة متركة جيدة، وطيلسان كُردي جيد، ورداء عدني، يعني: ليس عليه شيء من سيما النساك ولا التصنع.
قلت: حتى لا يظهر زهده، غير أنه لا يجوز أن يجر القميص على الأرض، إن كان المقصود بالشم الجر على الأرض.
قال حماد: كان لأيوب بُرد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يُعده كفنًا، وكنت أمشي معه، فيأخذ في طرق إني لأعجب له كيف يهتدي لها فرارًا من الناس أن يقال: هذا أيوب.
قال حماد: كان أيوب يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث فيرى ذلك فيه، ويبلغه موت الرجل يذكر بعبادة فما يرى ذلك فيه.
قال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه ويخرج من هاهنا وهاهنا لكي لا يفطن له.
قال أيوب رحمه الله: لا خبيث أخبث من قارئ فاجر.
وكان يقول: ليتق اللَّهَ رجلٌ، فإن زهد فلا يجعلن زهده عذابًا على الناس فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
قال سلام بن أبي مطيع: رأى أيوب رجلاً من أصحاب الأهواء، فقال: إني لأعرف الذلة في وجهه، ثم تلا: سينالهم غضب من ربهم وذلة، ثم قال: هذه لكل مفترٍ، وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج ويقول: إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف.
قال له رجل من أصحاب الأهواء: يا أبا بكر: أسألك عن كلمة؟ فولّى وهو يقول: ولا نصف كلمة، مرتين.
قلت: هربًا من أهل البدع، فإن قربهم داء، والنجاة في البعد عنهم.
قال له صالح بن أبي الأخضر: أوصني، قال: أقل الكلام.
قال- وذكر المعتزلة-: إنما مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
قلت: لأنهم يعطلون الله عن صفاته فيقولون: لا يستوي على العرش، تعالى الله عما يقولون.
قال: ما صدق عبد قط فأحب الشهرة.
قال: القرآن كلام الله غير مخلوق.
قلت: لأن القرآن كلام الله، وهو صفة من صفاته وصفاته تعالى ليست مخلوقة.
قال: إن من سعادة الحدث (الصغير السن) والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة.
قلت: لأن للشيخ الأثر القوي على التلميذ، قال تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.
قال رحمه الله: إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
قال: إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي.
قال لعمارة بن زاذان: إذا كان الرجل صاحب سنة وجماعة فلا تسأل عن أي حال كان فيه.
وفاته: توفي رحمه الله سنة إحدى وثلاثين ومائة عن ثلاث وستين سنة.

المراجع
<< "شرح السنة" للالكائي
<< "حلية الأولياء"
<< "سير أعلام النبلاء"
<< "تهذيب الكمال"
<< "تقريب التهذيب"



شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net
 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
عبد الله بن عمر رضي الله عنه

بقلم » محمد علي الخطيب





فأين الله!؟
قصة عبد الله بن عمر مع راعي الغنم من أعجب القصص التي رواها لنا مولاه نافع، قال:: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له ووضعوا السفرة له فمر بهم راعي غنم فسلم فقال ابن عمر: هلمَّ يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال له: إني صائم. فقال ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه وأنت في هذا الحال ترعى هذه الغنم؟! فقال: والله إني أبادر أيامي هذه الخالية. فقال له ابن عمر - وهو يريد أن يختبر ورعه -: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه؟!. قال: إنها ليست لي بغنم إنها غنم سيدي. فقال له ابن عمر: فما يفعل سيدك إذا فقدها ؟ فولى الراعي عنه وهو رافع أصبعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله ؟! فأين الله ؟! قال: فجعل ابن عمرو يردد قول الراعي يقول: «قال الراعي فأين الله؟» قال: فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي فأعتق الراعي، ووهب منه الغنم (11).

يدعون إلى طعامهم الأغنياء ويدعو الفقراء
وإذا كان أكثرُ الناس يدعون إلى طعامهم الأغنياء وأصحاب الهيئات، فإن ابن عمر يؤثر بزاده المساكين، فكان إذا صنع طعاماً فمر به رجل له هيئة، لم يدعه، ودعاه بنوه أو بنو أخيه، وإذا مر إنسان مسكين دعاه ولم يدعوه، وقال: يدعون من لا يشتهيه ويدعو من يشتهيه!. وأخباره في السخاء لا تنتهي، ولا يسمح المقامُ بسردها، مثله الأعلى في ذلك رسول الله السخي الجواد الكريم صلى الله عليه وآله سلم.

أعتق ألف رقبة في سبيل اللهورغم ذلك اتهم بعضهم ابن عمر بالبخل، فذب عن عرضه ميمون، فقال: وكان يقول له القائل بخيل، وكذبوا والله ما كان بخيل فيما ينفعه!.، وكيف يكون بخيلاً من أعتق ألف رقبة في سبيل الله، كما روى نافع، قال: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان، أو زاد؟!. وربما أدى هذا القائل خشونة عيشه، وزهده في طعامه ولباسه وأثاثه، ولم يكن ذلك عن بخلٍ أو فقرٍ، فقد كانت تأتيه الأموال الطائلة، ثم ينفقها لساعتها، عن نافع، قال: إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألفاً، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل فيه مزعة لحم. وعن ميمون بن مهران قال: دخلت على بن عمر فقوَّمت كل شيء في بيته من فراش أو لحاف أو بساط وكل شيء عليه فما وجدته ثمن طيلساني هذا!. وقد ضحكتُ لرجلٍ عرض على ابن عمر أن يصنع له هاضماً للطعام!. ألا بن عمر يُصنع مثل هذا!؟. قال لابن عمر: أعمل لك جوارش ؟ قال: وما هو؟ قال: شيء إذا كظك الطعام، فأصبت منه، سهَّل وليَّن. فقال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له واجداً، ولكني عهدت قوماً يشبعون مرة، ويجوعون مرة. وهذا تقشف اختياري، وزهد عن غنى، على طريقة رسول الله، إذ اختار معيشة الكفاف لنفسه ولأهله، وقد أثر عن ابن عمر قوله: ما شبعت منذ أسلمت. وكيف يشبع، وقد أخذ رسول الله يوماً بمنكبه، ووصاه قائلاً: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)!(12) وقد مر ابن عمر في الدنيا كعابر سبيل حقاً، عرض عليه أكبر ما تتشوف النفوس إليه من مغرياتها ومناصبها، ففر منها فرار الخائف الحذر، وزهد فيها زهد الغريب العابر !(13).

عرضت عليه الإمارة بل الخلافة، فأباها، وفر منها فراراًطلب منه عثمان أن يتولى أمر القضاء في عهده، وقال له: أقض بين الناس. فقال: لا أقضي بين اثنين، ولا أؤم اثنين!. وبعد قتل عثمان، دخل عليه الناس، وعرضوا عليه أن يبايعوه بالخلافة، عن الحسن قال: لما قتل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: إنك سيد الناس وابن سيد، فاخرج نبايع لك الناس. قال: إني والله لئن استطعت لا يهراق في سببي محجمة من دم!. فقالوا لتخرجن أو لنقتلنك على فراشك!؟. فقال لهم مثل قوله الأول. قال الحسن: فأطمعوه، وخوَّفوه فما استقبلوا منه شيئاً حتى لحق بالله. ثم تكرر العرض بعد قتل علي وتكرر الرفض، وقد تسأل: لماذا يرفض ابن عمر الخلافة، وهو كفؤ كريمٌ لها، ولو بويع لما اختلف عليه اثنان، ولصان وحدة الأمة ومصالحها؟. والجواب الشافي الكافي على هذا السؤال تجده عند ابن عمر نفسه، حيث قال إثر قتل الخليفة عثمان: إن لهذا الأمر انتقاماً، والله لا أتعرض له، فالتمسوا غيري. فابن عمر كان يتوجس في نفسه خيفة من فتنة، بل كان يراها آتية لا ريب فيها، فكره أن يغمس يده فيها، أو أن يراق بسببه محجمة من دم، كما قال.

اعتزل الفتنة، ونأى بنفسه عنهاثم لما وقع القتال بين علي ومعاوية آثر عبد الله أن يعتزل الفتنة، وينأى بنفسه عنها، وينجو من تحمل تبعاتها الجسام، فلم يحمل سلاحه إلا مرتين: في يوم الدار؛ نصرةً لعثمان، ويوم استعدَّ لحرب نجدة الحروري أيام ابن الزبير، ولم يشهد الجمل ولا صفين، ولا شيئاً من حروب علي ومعاوية، بسبب مقتل عثمان، وما خلَّفه من ظلمةٍ وغبشٍ واختلاط، وما لابس بيعة علي من اضطراب. وكذلك اعتزل حروب ابن الزبير مع بني أمية. فما سبب اعتزاله؟. ولعلنا نجد الجواب الشافي الذي يفسر موقف ابن عمر من الفتنة في قوله: «كمثل قوم كانوا يسيرون على جادة يعرفونها فبينما هم كذلك إذا غشيتهم سحابة وظلمة، فأخذ بعضنا يميناً وبعضنا شمالاً، فأخطأنا الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك، حتى تجلى عنا، فأبصرنا الطريق الأول، فعرفناه، فأخذنا فيه. إنما هؤلاء فتيان قريش يتقاتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، والله ما أبالي ألا يكون لي ما يقتل فيه بعضهم بعضاً بنعلي!»ا. هـ.

هل ندم ابن عمر على تركه القتال مع علي ؟وإذا كنت تجدُ في نفسك شيئاً على ابن عمر بسبب اعتزاله، وترى في ذلك سلبية لا تليق به، فتعال نستمع إلى هذا الحوار الذي جرى بين صاحب الشأن وبين رجل نقم عليه، قال نافع: أتى رجل ابن عمر، فقال:

يا أبا عبد الرحمن ما يحملك على أن تحج عاماً، وتعمر عاماً، وتترك الجهاد؟.

فقال: بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت.

فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فقال: لأن أعتبر بهذه الآية، فلا أقاتل، أحب إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول فيها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا}.

فقال: ألا ترى أن الله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.

قال: قد فعلنا على عهد رسول الله إذ كان الإسلام قليلاً، وكان الرجل يفتن في دينه؛ إما أن يقتلوه، وإما أن يسترقوه، حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة.

قال نافع: فلما رأى أنه لا يوافقه، قال:

فما قولك في عثمان وعلي ؟.

قال: أما عثمان، فكان الله عفا عنه، وكرهتم أن يعفو الله عنه. وأما علي فابن عم رسول الله وختنه وأشار بيده، هذا بيته حيث ترون (14).

وليس ابن عمر وحده الذي اعتزل الفتنة، بل اعتزلها جلَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وآله سلم. ولكن لما اتضح لابن عمر الأمر، وحصحص الحق، وامتازت الفئة الباغية، ندم على تركه القتال مع علي، طاعة لأمر الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، وأثر عنه أنه قال: «ما آسى علي شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية» (15). ودخل عليه رجل فسأله عن تلك المشاهد، فقال: كففت يدي فلم أقدم، والمقاتل على الحق أفضل.

أما عن مذهبه في الفتنة، فيلخصه قوله: «لا أقاتل في الفتنة، وأصلي وراء من غلب»، وظل ملتزماً به، مواظباً عليه، محايداً يعتزل الفتن، لا يرفع سيفه في وجه مسلم حتى وافاه الأجل، وهو على ذلك، شعاره: «من قال: (حي على الصلاة) أجبته، ومن قال: (حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله) فلا!!».

هم مرة بكلمة، ثم أمسك عنها، وهو يشتهيها؛ حذر الفتنة!!
ابن عمر رجل فقيه فطن يراقب الله، ويعرف عظم تبعة الكلمة في الفتنة، وهم مرة بكلمة، يريد الانتصار لنفسه، فخاف الفساد، فأمسك لسانه، وهو يشتهيها، وذلك أنه لما تفرق الحكمان، خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر، فليطلع إليَّ قرنه، فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه؛ يعرِّض بابن عمر. قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟. فقال ابن عمر: حللت حبوتي، فهممت أن أقول: أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، ويسفك فيها الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان!!. فهلا كفَّ أرباب الأقلام وأصحاب الإعلام عن كلمة فتنة تخرِّب الأوطان وتفسد الأديان !.

ابن عمر يعضُّ على السنة بالنواجذولذلك قال العلماء: يُقتدى بعمر في الجماعة، وبابن عمر في الفرقة!. والحق أنه يقتدى بابن عمر في سائر أحواله، لأنه من أئمة الدين، وأعلام الهدى، وأشبه الصحابة برسول الله، كأنه نموذج عنه، يتبع آثاره، وينزل منازله، ويصلي في كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في طريق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم عرض ناقته، وكان إذا وقف بعرفة يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم. ويرفع إزاره إلى نصف ساقه، ويقبض على لحيته ثم يأخذ ما جاوز القبضة، ويلبس من الثياب ما لبسه رسول الله، ويتمسك بالسنة، ويقول: إني لقيت أصحابي على أمر، وإني أخاف إن خالفتم خشيت ألا ألحق بهم.

ابن عمر وقصته مع «لا أدري»!انتفع الناس بعلم ابن عمر، وأقام بعد النبي صلى الله عليه وآله سلم ستين سنة يقدم عليه وفود الناس، ومع سعة علمه وتبحره، كان شديد الاحتياط والتوقي لفتواه، يكثر من (لا أدري!)، بينما يستحي منها كثير من طلاب العلم المبتدئين في أيامنا، وتجد بعضهم لا يرد سائلاً، ويجيبه بعلم أو بغير علم، ويتقحم أبواب جهنم، والعياذ بالله تعالى، فواعجباً لجراءتنا على الفتيا، وحذر ابن عمر منها، فهل أوتينا من العلم أكثر مما أوتيه!؟. وبعض الناس يؤتى حظاً من العلم، فينتفخ به غروراً، ويشقى بعلمه، ويكون عليه وبالاً، أما ابن عمر، فمازاده علمه إلا تواضعاً وخشية لله. عن عقبة بن مسلم قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يسأل، فيقول: لا أدري، ثم يلتفت إليَّ فيقول: أتدري ما يريد هؤلاء؟. يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسوراً على جهنم، يقولون أفتانا بهذا بن عمر!!. وهذا ما يطلبه الناس اليوم، يحمل فتواه من شيخٍ إلى آخر حتى يقع على ما يشتهيه ويوافق هواه ومصلحته. ونحوه عن أبي الدارع قلت لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب، وقال: إني لأحسبك عراقياً!، وما يدريك علام أغلق بابي!. وخاطبه رجل: يا خير الناس، أو ابن خير الناس!. فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله، وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه!!.

العلم ليس بكثرة الحفظ ولكنه بخشية الله !. وإذا كان الناس يعدُّون العلم بكثرة الحفظ وسعة الإطلاع، فإن ابن عمر يراه في خشية الله والكف عن المحارم. كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إلي بالعلم كله !. فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل.

الأمة الوسط أمة محمد جميعاًومن أمارة العالم إزالة الغبش عن المفاهيم، حتى تبقى صورة الدين بيضاء نقية، وابن عمر رجلها!. قال رجل لابن عمر: من أنتم ؟ قال ابن عمر: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط، وإنكم وسط !. فقال: سبحان الله! إنما كان السبط في بني إسرائيل، الأمة الوسط أمة محمد جميعاً، ولكنا أوسط هذا الحي من مصر، فمن قال غير ذلك، فقد كذب وفجر!. وجدير بالجماعات والمؤسسات التي تحتكر الإسلام، وتضع الآخرين في قفص الإتهام، وتزعم أنها الفرقة الناجية، والأمة الوسط، وغيرها على حرفٍ ! جديرٌ بها أن تحفظ عبارة ابن عمر (الأمة الوسط أمة محمد جميعاً، فمن قال غير ذلك، فقد كذب وفجر!). رحم الله ابن عمر، ما أبلغ عباراته، وما أبعد مراميه، وما أعظم الدروس والعبر المستفادة من أقواله وأفعاله! ولا غرو، فقد مات حين مات، وهو- مثل أبيه في الفضل، وإن كان لا يضاهيه، لأنه وإن دنا من منازله أو فاقه، فهو ثمرته، والولد من كسب أبيه.

بلغ ابن عمر سبعاً وثمانين سنة، ورزق من الولد اثنا عشر واربع بنات، ومن أحب ولده إليه، وأشبههم به في الزهد ووالورع والتقوى والعلم والفضل والخلق، سالم بن عبدالله، أحد فقهاء المدينة السبعة. وسمى ابن عمر أولاده على أسماء الصحابة، تيمنا بهم، وحباً لهم. يا شباب الإسلام: أَحبُّوا عبد الله بن عمر، وأَحبُّوا أصحاب محمد، وسموا أولادكم بأسمائهم، واهتدوا بهديهم، رزقنا الله محبته ومحبة جميع أصحاب رسول الله وآل بيته الكرام.

وفاة ابن عمرمات ابن عمر في مكة، في أول سنة أربع وسبعين، ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين بمكة. ولكن روي أن الحجاج قد وجد عليه، لما كان يظهره له من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمر رجلاً، فسم حربة، وزحمه في الطريق، وأمَرَّها على ظهر قدمه، فمرض منها أياماً، فدخل عليه الحجاج يعوده، فقال له: من فعل بك يا ابا عبد الرحمن؟. قال: أنت الذي أمرت بإدخال السلاح في الحرم!. فلبث أياماً ثم مات، وصلى عليه الحجاج !. وقد أفضى الجميع إلى ربهم، وهو أعلم بهم، وعليه حسابهم، وما علينا من حسابهم شيء، وأولى من ذلك أن ننتفع بسيرة ابن عمر، ونأخذ منها الدروس والعبر، ونأتسي به في تمسكه بالسنة، ونهتدي بهديه في الفتنة خاصة، وأيامنا فتن كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحواشي :(11) شعب الإيمان للبيهقي - (ج 11 / ص 275) - فأين الله ؟.

(12) رواه البخاري.

(13) قال الذهبي: وأين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألهه وخوفه، من رجل تعرض عليه الخلافة، فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيرده، ونيابة الشام لعلي، فيهرب منه، فالله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب. (سير أعلام النبلاء - (ج 3 / ص 235) ).

(14) رواه البخاري.

(15) رواه الحاكم.




مجلة امتي

العدد 30 - محرم- 1427 - فبرائر 2007

شبكة المنهاج الاسلامية www.almenhaj.net


 

ayman

La Ilaha Illa Allah
Staff member
سعيد بن المسيب سيد التابعين




سعيد بن المسيب سيد التابعين
بقلم » زياد أبو رجائي





سعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشى المخزومى ، أبو محمد المدنى ( سيد التابعين ) كما وصفه كل من المزي والذهبي.

أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل وقال ابن المدينى لا أعلم فى التابعين أوسع علما منه ، قال عنه الذهبي - رحمه الله - : الإمام ، أحد الأعلام ، و سيد التابعين ، ثقة حجة فقيه ، رفيع الذكر ، رأس فى العلم و العمل .

ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب ، و قيل : لأربع سنين .

و كان زوج ابنة أبي هريرة رضي الله عنه و أعلم الناس بحديثه

كان أبوه المسيب تاجراً وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، دخل عليه عبد الله بن سلام ، فقال : يا أبا سعيد إنك رجل تبايع الناس ، و إن أفضل مالك ما يغيب عنك ، و إنه ليس المفلس الذى يفلس بأموال الناس ، و لكن إنما المفلس الذى يوقف يوم القيامة ، فلا يزال يؤخذ من حسناته حتى لا تبقى له حسنة ، فكان أبو سعيد مستوصيا بها . قال ابن سلام : كان إذا كان له حق على أحد فجاءه يبغضه قال : لا أقبل منك إلا الذى لى ، كله حرصا على الحسنات . قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10 / 152 :زعم الواقدى و مصعب الزبيرى أنه من مسلمة الفتح ، و لم يصنعا شيئا فقد ثبت فى " الصحيح " أنه شهد الحديبية .

قال عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر : سعيد بن المسيب هو ـ والله ـ أحد المفتين .
و قال عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن الزهرى : إنه كان يجالس عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، يتعلم منه الأنساب و غير ذلك . قال : فسألته يوما عن شىء من الفقه ، فقال : إن كنت تريد هذا فعليك بهذا الشيخ سعيد بن المسيب . قال ابن شهاب : فجالسته سبع حجج و أنا لا أظن أن أحدا عنده علم غيره .
و قال إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ،قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهل المدينة ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب .
و قال الواقدى ، عن خالد بن أبى عمران ، عن محمد بن يحيى بن حبان : كان رأس من بالمدينة فى دهره ، المقدم عليهم فى الفتوى سعيد بن المسيب ، و يقال : فقيه الفقهاء .
و قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال و الحرام من سعيد بن المسيب .
و قال محمد بن إسحاق ، عن مكحول : طفت الأرض كلها فى طلب العلم ، فما لقيت أعلم من ابن المسيب .
و قال الأوزاعى : سئل الزهرى و مكحول : من أفقه من أدركتما ؟ قالا : سعيد بن المسيب .
و قال سليمان بن موسى : كان سعيد بن المسيب أفقه التابعين .
و قال إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب : ما بقى أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم و كل قضاء قضاه أبو بكر ، و كل قضاء
قضاه عمر ـ قال إبراهيم : قال أبى : و أحسبه قال : و كل قضاء قضاه عثمان ـ منى .
و قال مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : إن كنت لأرحل الأيام و الليالى فى طلب الحديث الواحد .
و قال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد : كان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتى فتيا ، و لا يقول شيئا إلا قال : اللهم ، سلمنى و سلم منى .
و قال البخارى : قال لى على ، عن أبى داود ، عن شعبة ، عن إياس بن معاوية : قال لى سعيد بن المسيب : ممن أنت ؟ قال : من مزينة . قال : إنى لأذكر يوم نعى عمر ابن الخطاب النعمان بن مقرن على المنبر .
و قال البخارى أيضا : قال لنا سليمان بن حرب : حدثنا سلام بن مسكين ، عن عمران ابن عبد الله الخزاعى ، عن ابن المسيب : أنا أصلحت بين على و عثمان ، قلت لعلى : إنه أمير المؤمنين ، و قلت لعثمان : إنه على ، و لو شئت أن أقول قولا لفعلت .
و قال ـ أيضا ـ : قال لنا سليمان : حدثنا حماد بن زيد ، عن غيلان بن جرير ، عن ابن المسيب ، قال : أنا أصلحت بين على و عثمان .
و قال عباس الدورى ، سمعت يحيى بن معين يقول : سعيد بن المسيب قد رأى عمر و كان صغيرا . قلت ليحيى : يقول : ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر ؟ قال يحيى : ابن ثمان سنين يحفظ شيئا ؟ ثم قال : ها هنا قوم يقولون : إنه أصلح بين على و عثمان ، و هذا باطل .
و قال ـ أيضا ـ : سمعت يحيى بن معين يقول : مرسلات سعيد بن المسيب أحب إلى من مرسلات الحسن ، و مرسلات إبراهيم صحيحة ، إلا حديث تاجر البحرين ، و حديث الضحك فى الصلاة .
و قال أبو طالب : قلت لأحمد بن حنبل : سعيد بن المسيب ؟ فقال : و من مثل سعيد ابن المسيب ، ثقة من أهل الخير . قلت : سعيد عن عمر حجة ؟ قال : هو عندنا حجة ، قد رأى عمر و سمع منه ، و إذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل ؟ ! .
و قال أبو الحسن الميمونى ، و حنبل بن إسحاق ، عن أحمد بن حنبل : مرسلات سعيد ابن المسيب صحاح ، لا يرى أصح من مرسلاته .
زاد الميمونى : و أما الحسن و عطاء بن أبى رباح فليس هى بذاك ، هى أضعف المرسلات كلها ، كأنهما كانا يأخذان من كل .
و قال عثمان الحارثى النحاس : سمعت أحمد بن حنبل يقول : أفضل التابعين سعيد بن المسيب . فقال له رجل : فعلقمة و الأسود ؟ فقال : سعيد بن المسيب و علقمة و الأسود .
و قال على ابن المدينى : لا أعلم فى التابعين أحدا أوسع علما من سعيد بن المسيب ، نظرت فيما روى عنه الزهرى و قتادة و يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن حرملة ، فإذا كلا واحد منهم لا يكاد يروى ما يرويه الآخر و لا يشبهه ، فعلمت أن ذلك لسعة علمه ، و كثرة روايته ، و إذا قال سعيد : مضت السنة ، فحسبك به . قال على : و هو عندى أجل التابعين .
و قال الربيع بن سليمان ، عن الشافعى : إرسال سعيد بن المسيب عندنا حسن .
و قال محمد بن أبى ركين ، عن ابن وهب : سمعت مالكا و سئل عن سعيد بن المسيب ،قيل : أدرك عمر ؟ قال : لا ، و لكنه ولد فى زمان عمر ، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه و أمره حتى كأنه رآه .
قال مالك : بلغنى أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر و أمره .
و قال الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد : إن ابن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب ; لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه و أقضيته .
و قال عمرو بن دينار ، عن قتادة : ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد إلا وجدت له فضلا عليه ، غير أنه كان إذا أشكل عليه شىء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله .
و قال أحمد بن عبد الله العجلى : كان رجلا صالحا فقيها ، و كان لا يأخذ العطاء و كانت له بضاعة أربع مئة دينار ، و كان يتجر بها فى الزيت ، و كان أعور .
و قال أبو زرعة : مدنى ، قرشى ، ثقة ، إمام .
و قال أبو حاتم : ليس فى التابعين أنبل من سعيد بن المسيب ، و هو أثبتهم فى أبى هريرة و مناقبه و فضائله كثيرة جدا .
قال الواقدى : مات سنة أربع و تسعين فى خلافة الوليد بن عبد الملك و هو ابن خمس و سبعين سنة ، و كان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها .
و قال أبو نعيم : مات سنة ثلاث و تسعين .
و قال عمرو بن دينار : لما مات زيد بن ثابت قال ابن عباس : هكذا يذهب العلم .
قال : فحدثت به سعيد بن المسيب فقال : و كذلك كان ابن عباس . قال : و أنا أقول : كذلك كان سعيد بن المسيب .
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 87 :
و قد وقع لى حديث بإسناد صحيح لا مطعن فيه ، فيه تصريح سعيد بسماعه من عمر ، قرأته على خديجة بنت سلطان أنبأكم القاسم بن مظفر شفاها ، عن عبد العزيز بن دلف أن على بن المبارك بن نغوبا أخبرهم : أخبرنا أبو نعيم محمد بن أبى البركات الجمازى ، أخبرنا أحمد بن المظفر بن يزداد ، أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله ابن محمد بن عثمان السقاء ، حدثنا ابن خليفة ، حدثنا مسدد فى " مسنده " ، عن ابن أبى عدى ، حدثنا داود و هو ابن أبى هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت عمر بن الخطاب على هذا المنبر يقول : عسى أن يكون بعدى أقوم يكذبون بالرجم ، يقولون : لا نجده فى كتاب الله ، لولا أن أزيد فى كتاب الله ما ليس فيه لكتبت إنه حق ، قد رجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و رجم أبو بكر ، و رجمت . هذا الإسناد على شرط مسلم .

من شيوخه :

أبى بن كعب ، البراء بن عازب ، بصرة بن أكثم الأنصارى ، بلال مولى أبى بكر ، جابر بن عبد الله ،جبير بن مطعم ،حسان بن ثابت ، حكيم بن حزام ، زيد بن ثابت ، زيد بن خالد الجهنى ، سراقة بن مالك بن جعشم ، سعد بن عبادة ، سعد بن أبى وقاص ،صفوان بن أمية ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عبد الله بن عمرو بن العاص ، عثمان بن عفان ، على بن أبى طالب ، عمر بن الخطاب ، معاوية بن أبى سفيان ، أبى ذر الغفارى ، أبى سعيد الخدرى ، أبى موسى الأشعرى ، أبى هريرة ، عائشة أم المؤمنين .


www.almenhaj.net شبكة المنهاج الاسلامية




 
Status
Not open for further replies.
Top